الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية في نص توثيقي: المؤرخ عميرة علية الصغير يسلط الضوء على الاغتيالات السياسية لتأبيد الاستعمار في تونس والجزائر والمغرب

نشر في  08 فيفري 2019  (11:57)

الصورة للزعيم النقابي فرحات حشّاد الذي اغتيل في 5 ديسمبر 1952 

بقلم المؤرخ عميرة علية الصغير

ينشر موقع الجمهورية الجزء الثاني من سلسلة من المقالات تحت عنوان "الإرهاب و الاغتيال السياسي بتونس و المغرب العربي زمن الاستعمار و بعده"، وهي سلسلة كتبها المؤرخ عميره عليّة الصغيّر في 3 أجزاء:

1-الاغتيال السّياسي لدحر الاستعمار.

2  الاغتيال السياسي لتأبيد الاستعمار.

 3- الاغتيال السياسي لفرض الهيمنة وضمان الحكم.

وننشر اليوم الثاني المتعلق بـ"الاغتيال السّياسي لتأبيد الاستعمار"، وهذا نصه مثلما وافانا به الدكتور عميرة علية الصغير:

II- الاغتيال السّياسي لتأبيد الاستعمار.

في إطار الحرب الشّاملة على الوطنيّين في المغرب لتعطيل حركة التّاريخ مورس الإرهاب الرّجعي ضدّ من يمثلون خطرا على إستمراريّة الوجود الاستعماري من الإيقاف والسّجن والتّعذيب والنّفي وحتّى الاغتيال وتقاسمت الدّولة الاستعماريّة الأدوار مع المغالين من الاستعماريّين في تحييد أو القضاء على العناصر الوطنيّة التي تجسّد تهديدا لها.

ولنبدأ بالاغتيال الرّسمي أي ذاك القتل الذي قامت به أجهزة الدّولة الأمنيّة أو العسكريّة  "ببرودة" أي خارج "نار الفعل المقاوم" أي أثناء المظاهرات أو مشادات الشوارع أو الاشتباكات العسكريّة مع وحدات المقاومين. وفي الحقيقة يصعب هنا أيضا إعطاء صورة دقيقة وشاملة على هذا النّوع من الإجرام التاريخي الرّسمي لصعوبة الوصول إلى المصادر من ناحية وغياب الدّراسات التّأليفيّة والجدّية في الموضوع من ناحية ثاني. لذا تقتصر هنا على تقديم أمثلة من تاريخ هذا الإجرام حتّى وان تفاوتت ظاهرة الاغتيال الرّسمي هذه بين تونس والمغرب من ناحية والجزائر من ناحية أخرى.

من تاريخ هذا الإجرام في تونس ما جدّ بالوطن القبلي في عمليات التّمشيط التي قامت بها وحدات المضلّيين واللّفيف الأجنبي والجندرمة والقنّاصة السّينيغاليّين في ما سمّي بعمليّة  مارس ((Opération Mars تحت قيادة الكولونال شموكل (Schmuckel) وذاك بين 28 جانفي و 2 فيفري 1952 والتي قتل فيها 26 تونسيّا منهم أطفال ونسوة دون عمل مقاوم أو مجابهة من طرفهم[1].

وكان الهدف السّياسي  من هذا الاغتيال الجماعي بث الرّعب  في الأهالي والحطّ من عزيمة المقاومين بالجهة وببقيّة  البلاد وتمرير رسالة مفادها أنّ من تسوّل له نفسه بمقاومة  فرنسا لا يعاقب هو فحسب بل يقتصّ كذلك  من الأهالي الحاضنين له. وفي 3 ديسمبر 1952 تعرّض أهالي قصر قفصة لعمليّة  مماثلة حيث أعدم ستّة من الرّجال ببرودة لأنّه نصب بالقرية  كمين لدوريّة أمنيّة فرنسيّة قتل فيها حارسان جمهوريان وجرح إثنان.

كما جدّ هذا القتل الانتقامي يوم 14 ديسمبر 1952 بجبل الرّهّاش جنوب بنقردان في حقّ أربعة أسرى من أفراد "كمندوس فرحات حشّاد"[2] وكذا  الأمر عندما أخرجت قوات الأمن أربعة مناضلين دستوريّين من ديارهم[3] لا علاقة لهم بالحادث  وأعدمتهم ثأرا لمقتل حرس جمهوري في عملية قامت بها عصابة بلقاسم قرف بالمنستير  ليلة 31 أوت 1953.

كما وقعت بالمغرب الأقصى في الخمسينات عمليات اغتيال مشابهة كثيرة حدثت خاصّة كردود فعل انتقاميّة من السّكان على إثر الانتفاضات الشعبيّة الكثيرة التي عرفتها بالخصوص المدن المغربيّة أو بعد العمليّات التي تدبّرها الفرق المقاومة ويشارك في هذا الاغتيال الجماعي قوات الأمن والجيش وحتى السّكان الأوروبيين من ذلك ما جدّ إثر انتفاضة الدّار البيضاء يومي 7 و 8 ديسمبر 1952 تنديدا باغتيال فرحات حشاد حيث قتل من العمّال  والأهالي المتجمهرين المئات[4] ودفنوا في حفر جماعية مقابل قتل 4 أوروبيين.

كذلك في انتفاضة سكان فاس  في 1 أوت 1954 حيث حصد القنّاصة السينيغاليّون  129 مغربيّا أو في مكناس في 25 جويلية 1955 عندما قتل 17 متظاهرا مغربيّا. ولعلّ عمليات الانتقام والاغتيال الجماعي التي اقترفتها القوات الفرنسية و من معها من الأوروبيّين أثناء أحداث وادي زم وآيت عمّار وخريبقة في ما بين 20 و 21 أوت 1955 كانت الأخطر حيث قتل من المغاربة  ما يزيد عن خمس مائة مقابل الخمسين أروبي الذين قضوا في الأحداث[5].

لكن ما جدّ في الجزائر أثناء الثّورة  التّحرّريّة من اغتيال  سياسي رسمي يفوق بكثير من حيث العدد والخطورة ما وقع في تونس والمغرب نظرا لطبيعة الصّراع والرّهانات القائمة آنذاك. وقد مورس الاغتيال السّياسي في الجزائر من طرف أجهزة الدّولة الرّسميّة على نطاق واسع وباعتراف مقترفيه[6] واستهدف ليس فقط  القادّة بل حتى المقاومين وعامّة الجزائريّين  وتمّت عمليات الاغتيال الجماعي من قوّات الجيش ومصالح الأمن في مواقع الإيقاف والتّحقيق  (مقرّات البوليس، الثكنات، الدّور الخاصة، الضّيعات...)

ولم يقع القتل رميا بالرّصاص  فحسب بل عمد مقترفو هذه "الجرائم" إلى ذبح الضّحايا[7] أو قتلهم خنقا[8] أو رميهم من الطّائرات وكثير من الجزائريّين وقع التخلّص منهم بعد تعذيبهم حيث مورس التّعذيب على نطاق واسع باستعمال  الكهرباء والخنق بالماء والحرق بالنّار والكي بالحديد اللاّهب والتعليق في الشمس إضافة للتعذيب النفسي[9].

ومن الاغتيالات التي جدّت بصورة جماعيّة تلك التي وقعت في قلب باريس يوم 17 أكتوبر 1961 عندما تظاهر الجزائريّون  ضد منع الجولان والحد من حريّة  التجّار (الجزائريّين) وأسندت مسؤولية قمع المظاهرة لموريس بابون (Maurice Papon)  المحافظ العام للشرطة في باريس حيث قتل أكثر من 300 جزائري منهم 100 أغرقوا بنهر السّان بعد تعذيبهم[10].

وكان القتل بعد التّعذيب لطمس آثار الجريمة مألوفا آنذاك في الجزائر ويقدّر المؤرّخ الألماني هرتموت السنهانس Hartmut Elsenhans عدد الجزائريّين الذين قتلوا بهذه الطّريقة لفترة جانفي-مارس 1957 فقط وبولاية  الجزائر العاصمة لوحدها بين ثلاثة آلاف ومائة ألف شخص[11].

ومن القادة الجزائريّين الذين اغتالتهم  الأجهزة الرّسميّة  للدّولة الفرنسيّة إن كانت من الجيش أو قوات الأمن العربي بن مهيدي وعلي بومنجل اللّذين كان يروّج في حقّهما أنّهما انتحرا ويعترف أحد المورّطين في تلك الجرائم الجنرال بول أوسّاراس (Paul Aussaresses) أنّه وقع التخلّص منهما بعد تعذيبهما. نذكر كذلك وريدة المدّب والعربي التّباسي وعيست إيدير والدكتور بنزرجاب والشيوعي الفرنسي موريس أودان (Maurice Audin) وغيرهم كثيرين.

وكان عنف منظّمات المتطرّفين من الفرنسيّين في هذه السّنوات الحرجة من عمر الاستعمار يتكامل مع عنف أجهزة القمع الاستعماريّة  ويجد في السّلطات الرّسميّة إن كانت سياسيّة أو قضائيّة أو أمنيّة السّند والدّعم إن لم تكن شريكة فعليّة لها في جرائمها في حقّ الوطنيّين وذاك ما أثبته البحث في "تاريخ جرائم" تلك المنظّمات كما سنقف على أمثلة منها لاحقا.

كوّن المغالون من الاستعماريّين والرّافضين لأي تطوّر للواقع الاستعماري نحو منح شعوب المغرب استقلالها منظّمات تهدف إلى إفشال  السّياسات التي تعتبرها تآمريّة وخيانيّة لمصالح فرنسا وخاصة للتصدّي لعنف المقاومة الوطنية بعنف مقابل و "مجابهة الإرهاب بالإرهاب". وبرز فعل هذه التّنظيمات في الأوّل في تونس لأسبقيّة مرور المقاومة الوطنيّة فيها منذ 1952 إلى العمل العنيف حيث تكوّنت في جويليـة 1954 منظّمة "الحضـور الفرنسـي" (Présence française) يرأسها الكولونال شوفاليي (Chevalier) أحد قدماء الهند الصّينيّة ثم آلت رئاستها إلى محارب آخر قديم  وهو الجنرال ريم برينو (Rime-Bruneau) لكن منظّمة "اليد الحمراء" (La Main rouge) كانت قد سبقتها على ساحة المجابهة الدّمويّة منذ 1952[12]. والتي كانت أهمّ منظّمة نشطة ليس فقط في تونس بل في البلدان المغربيّة الثلاث وحتى خارجها وسوف نعود إليها لاحقا.

أماّ في المغرب الأقصى فقد تكوّنت منظّمات مماثلة خاصة في غضون 1954 منها "الحضور الفرنسي" (Présence française) التي كان يرأسهـا الدكتور كـوس (Causse) و "منظّمة الدّفاع ومناهضة الإرهاب" (l'Organisation de Défense Antiterroriste. ODA) و "الحملة العسكريّة الفرنسيّة (Le corps expéditionnaire français) (C.E.F) إضافة "لليد الحمراء" التي كانت نشطة كذلك بهذا البلد.

وفي الجزائر قبل أن تتكوّن المنظّمة الشبه سرّية  "المنظّمة المسلّحة السّريّة" (l'OAS) في فيفري 1961 نشطت منظّمـات متطرّفة أخرى منهـا "تجمّع فرنسيي الجزائـر"          (Le Rassemblement des Français d'Algérie) الذي كان يرأسه المحامي بيرنقاي (Péringuey) والمنظّمة السّريّة "جمعيّة إنبعاث إفريقيا الشماليّة" (Organisation pour la renaissance de l'Afrique du Nord) والتي كان يقودها الدكتور كوفاكس (Kovacs) [13] إلى جانب "اليد الحمراء" ومليشيات يمينيّة أخرى.

والثابت والذي تشترك فيه كل هذه المنظّمات أنّ عناصرها كانوا من الأوساط الأروبيّة الأكثر تخوّفا على مستقبلها ان استقلّت مستعمرات فرنسا والأكثر عنصريّة ويمينيّة أمّا نشطيها ومنفّذي عمليات الإرهاب والاغتيال في حقّ الوطنيّين فكانوا من قدماء المحاربين والبوليس وحتى أوساط الدّعارة والإجرام[14] وتلقى الدّعم المادّي من كلّ الأوساط الاستعماريّة والتّعاطف المتحمّس من كلّ الجاليات الأروبيّة إلاّ القلّة من الليبراليّين والوسط المتفتّح.

وتتفرّد منظّمة "اليد الحمراء" عن بقيّة هذه  المجموعات الإرهابية الاستعمارية بأنّها منظمة تنشط عناصرها في تنسيق متبادل في البلدان المغاربيّة الثلاث وليس فقط تلقى الدّعم من البوليس الفرنسي والقضاء الاستعماري شأن المنظّمات الأخرى بل أنهـا كانت في علاقة عضويّة مع المخابـرات الفرنسية وبالتحديد "مصلحة التّوثيـق والاستخبار المضـاد "Service de documentation extérieure et de contre-espionnage"  (SDECE) [15] حيث أنّ أنطوان مليرو (Antoine Méléro) نعتها بـ "اليد السّريّة للجمهوريّة" وشهادته كأحد عناصر هذه المنظّمة تؤكّد ما كان في حساب الظّن ومن أنّ العلاقة بين الأجهزة الأمنيّة     و "اليد الحمراء" لم تكن من صنف تعاون جهازين لهما نفس الغايات بل من صنف جهاز أمني ينشط بأوامر وتخطيط ومتابعة من جهاز آخر أي السداس (SDECE) حيث كان ينفّذ "المهام القذرة" (La sale besogne) مع الحرص أن  لا تتورّط فيها  الأجهزة الرسميّة وهذه الحقيقة  لا تقوم فقط على شهادة هذا النّشط (Méléro)  السابق في اليد الحمراء بل على عدّة قرائن أخرى أهمّها أن جرائم "اليد الحمراء" لم يكشف البحث فيها على أيّ مسؤول وحتى عند ما تمّ إيقاف مجموعة من أعضائها في تونس في ماي 1956 وبيّن  البحث تورّطهم في عدّة جرائم بل أنّ رويزي كريسطوف (Ruisi Christophe)  وروفنياك (Rouffignac) وأوزرات مارسيال (Aouizerat Martial) قتلة فرحات حشّاد وقع ترحيلهم بعد تدخّل وزير العدل الفرنسي آنذاك فرانسوا متيران (F.Metterand) على طائرة حربيّة من قاعدة بنزرت  نحو فرنسا في صائفة 1956 وأنقذوا من يد العدالة[16].

على كل حسب مليرو كانت منظمة  "اليد الحمراء" تنشط تحت أوامر القبطان (Fillette) وكان مقر عمله ببناية الإقامة العامّة الفرنسية بالرّباط في حدّ ذاتها[17] وكانت المنظمة مهيكلة في ثلاثة شعب: شعبة الدراسات والبحوث: تهتم بجمع المعلومات وتنسيقها حول كل هدف ممكن تصفيته والثانية: شعبة التغطية في العمليات: وهي مكوّنة من أفراد مهمّتهم التغطية عند التنفيذ والإحالة دون إيقاف القتلة عند الإنجاز أما الشعبة الثالثة: مهمّتها "التنفيذ" مسؤول عليها المدعى جون كلود (Jean Claude) مكوّنة من مجموعات صغيرة تعطى لها الأوامر في آخر لحظة للقضاء على الضحيّة[18].

وتبيّن أنّ منظّمة "اليد الحمراء" كانت تنشط  في بلدان المغرب الثلاث بل أن عناصرها كانت تتنقّل عبر الحدود وتلقى التسهيلات  الضروريّة لذلك من ذلك هروب الكمّسار المركزي والرّئيسي المساعد لمحافظ الأمن بالعاصمة تونس سارج جيلي(Serge Gillet) والذي فرّ دون أن يوقف في ماي 1956 نحو الجزائر إثر اكتشاف وإيقاف مجموعة  من عصابة اليد الحمراء ولعلّ أشهـر العناصر الظاهرة في هـذا التّنظيم المهندس ديمون ماليفـار (Dumont Maliverg) الذي كان عنصر الرّبط بين موظّفي "السداس" وعناصر البوليس والأعضاء الآخرين من المدنيّين في المنظّمة وقد انتهى  به المطاف  مذبوحا من المقاومة الجزائريّة بجهة قالمة بالجزائر أواخر الخمسينات[19]. ونجد نفس المنظّمة تحت إمرة الكولونال مرسيي (Mercier) من "السداس" (SDECE) تنشط  في سويسرا وألمانيا وغيرها  من الدّول الأروبية  في تتبّع نشاط جبهة التّحرير الوطني الجزائريّة (F.L.N)  خاصّة[20] .

على كل كانت "اليد الحمراء" مسؤولة على عديد العمليات الإرهابيّة في بلدان المغرب الثّلاث  من تفجير المحلاّت إلى إطلاق الرّصاص على الأماكن العامة إلى إغتيال  الوطنيّين. وقد تورّطت في تونس في أكثر من سبعين  عمليّة إرهابيّة[21] أشهرها اغتيال الزعيم النقابي فرحات حشّاد في 5 ديسمبر 1952 والقيادي الدّستوري الجديد الهادي شاكر في 13 سبتمبر 1953 والدكتور مامي، طبيب الباي في 13 جويلية 1954 والأخوين علي والطّاهر حفوز في 24 ماي 1954 ومحاولة إغتيال إنطلاقا من تونس، في طرابلس للزعيم الجزائري أحمد بلّة في سبتمبر 1955.

كذلك الأمر في المغرب الأقصى  إذ استهدف الوطنيّون  خاصة بين سنوات 1952 و 1955 إلى عمليّة "صيد للبشر" قتل الكثير منهم على يدي "اليد الحمراء" و "الحضور الفرنسي" وعصابة عون الأمن بوخول (Poujol) ولنا في شهادة أنطوان مليرو كل التّفاصيل حول عمليات الاغتيال  تلك من حيث الإعداد والتّنفيذ  والأسلحة وأسماء القتلة وتداخل المخابرات  الفرنسيّة في إعطاء الأوامر أو في التعميّة على القتلة[22].

ومن ضحايا الإرهاب الاستعماري في المغرب تاجر الأقمشة ومموّل العمل الوطني الطاهر السبتي والمحامي عمر السلاوي والصّيدلي أحمد الديوري وتاجر الجملة برّادة والدّكتور عمر الدريسي. كما طالت الاغتيالات أو محاولات القتل شخصيات فرنسية أبدت تفهّمها للمطالب المغربية شأن رجل الأعمال وصاحب جريدة "ماروك براس" (("Maroc-Presse" جاك لوماجر دييراي(Jacques Lemaigre-Dubreuil) الذي ارتكب  خطيئة نشر قائمة المشبوهين في اغتيالات  الوطنيين ولم يفلح رئيس المخابرات الفرنسية روجي ويبوت (Roger Wybot) في الكشف عن القتلة  تحت الضغوطات وإرادة التعميّة القضائيّة والسياسيّة[23]. شأن بقية القضايا الأخرى المتورّط فيها "الإرهاب المضادّ".

أمّا في الجزائر فقد اقترفت كذلك اغتيالات عديدة من قبل اليد الحمراء ومليشيات المجموعات المسلّحة الفرنسيّة مثل "الجبهة الوطنيّة الفرنسية" (Le Front  National Français)  و "ّالكتائب الفلاّحيّة" (Les Phalanges paysannes) وحركة "أمّة شابّة" (Jeune Nation)[24] وخاصّة "المنظّمة المسلّحة السرّية" (l'OAS) والتي سبق ذكرها والتي كان يقودها الكولونال أرقود (Argoud) وسوزيني (Susini) "الفاشي المقتنع" التي أغرقت الجزائر (وحتى فرنسا) في إرهاب شامل من اختطاف وقتل ليس فقط في الجانب الجزائري[25] بل شمل سياسيّين وصحافيّين  وجامعيين فرنسيّين ولم يتوقف  العنف والاقتتال الذي وراءه هذا التنظيم إلاّ بعد إمضاء  اتفاق في 17 جوان  1962 بين لوأآس (l'OAS) وجبهة التحرير (FLN).

 لكن الإرهاب الاستعماري لم ينجح في عرقلة مسار التاريخ حيث تحصّلت تونس والمغرب على استقلالهما في سنة 1956 وكذلك الجزائر سنة 1962 لكن بعد أن انفتحت صفحة جديدة من الصّراع بين الأخوة الأعداء  لم تعرف نهايتها إلاّ مع بداية السبعينات تقريبا.


[1] - حول هذه الأحداث أنظر مقالنا: "ستّون يوما من النّضال الشعبي بتونس من 14 جانفي إلى 15 مارس 1952" المنشور بمؤلّفنا: المقاومة الشعبية... م.م.

[2] - حول "كمندوس فرحات حشاد" راجع فصلنا بنفس العنوان المنشور بكتابنا: المقاومة الشعبية  في تونس في الخمسينات. انتفاضة المدن، الفلاقة، اليوسفية، صفاقس، مطبعة التسفير الفنّي، 2004.

[3] -  الأربعة هم: عبد السّلام تريمش وأحمد الغندري ومصطفى بن جنّات والحاج سعيد المرشاوي. أنظر حول حادثة  المنستير هذه في أرشيف المصلحة التاريخية لجيش البر (الفرنسي): S.H.A.T., 2 H Tunisie, C. 2H 154, D3

[4] -  تقدّر المصادر الوطنيّة المغربيّة عدد القتلى في أحداث الكاريار سنترال  هذه ما بين 300 و 1200 قتيل بينما التقدير الرّسمي  الفرنسي آنذاك  هو 50 قتيلا مغربيّا. أنظر في هذا الموضوع: زكي مبارك: "إغتيال فرحات حشاد. ردود الفعل والتبعات في المغرب" في أعمال المؤتمر حول: فرحات حشاد والحركة العمّالية والنّضال الوطني، نشر مؤسسة التميمي، زغوان، 2002، ص 109-117.

[5] - حول تفاصيل هذه الأحداث أنظر مقال خالد بن الصغيّر: "انتفاضة 20 غشت 1955 بوادي زم: الجذور والوقائع" ضمن أعمال: ندوة المقاومة المغربيّة ضدّ الاستعمار، م.م. ص 336-374.

[6] - أنظر مثلا مذكّرات الجنرال أسّراس:

Le Général Paul Aussaresses, Services spéciaux. Algérie 1955-1957, Paris, Editions Perrin, 2000.

[7] - حول هذه الجرائم يمكن  مراجعة:

-     Hamid Bousselham, La Guerre d’Algérie (1954-1962). Torturés par le Pen ; Alger, Editions Rahma-Anep, 2000.

-     Neumane Stambouli, «La guerre d’Algérie a commencé en 1830. Crimes de guerre et crimes  contre l’humanité », in El-Rassed, Alger, numéro nov-déc. 2001, pp. 30-31.

[8] - حول هذه الممارسات التي جدّت خاصة عند "معركة الجزائر" (1956-1957) تحت مسؤوليّة الجنرال ماسّي (Massu) والجرائم التي إرتكبت  بمباركة رسميّة أنظر: هرتموت السنهونس، م.م. ص 505-517.

[9] -

- Rahaëlle Branch, La torture et l’Armée pendant la guerre d’Algérie 1954-1962, Paris, Gallimard, 2001.

[10] - سعدي بزيان "جرائم فرنسا في 17 أكتوبر 1961 بباريس من خلال المصادر الجزائريّة الفرنسيّة" بمجلّة المصادر (مجلّة المركز الوطني للدّراسات والبحث في الحركة الوطنيّة وثورة أوّل نوفمبر 1954)، عدد 6، 2002، ص 359-.405.

[11] - هرتموت السنهانس، م.م. ص. 514.

[12] - كنّا تناولنا نشاط هذه التّنظيمات في مقالات لاحقة نذكر منها:

« Les groupements politiques français de droite en Tunisie  et la décolonisation (1954-1956 » in Processus et enjeux de la décolonisation en Tunisie (1952-1964), pub. de l’ISHMN, Tunis, 1999, pp. 203-236.

«Les groupements politiques français de droite en Tunisie dans les années  cinquante : présentation »,in R.H.M., n°102-103, Mars 2001, pp. 21-31.

« Synopsis des principaux groupements politiques français de droite en Tunisie  au temps  de la colonisation » , in Les Cahiers de Tunisie, n° 180, 2002, pp. 9-29.

إضافة للدّراسة التي سبق ذكرها: "أوربيو تونس والمقاومة المسلّحة في الخمسينات" والمنشورة في كتابنا: المقاومة الشعبية في الخمسينات، م.م.

[13] - حول هذه الجمعيات في الجزائر يمكن الرّجوع إلى:

بتريك إفنو وجون بلانشي، م.م وشارل أندري جيليان المغرب... م.م وإلى كتاب أحد الذين كانوا نشطين بمنظمة "اليد الحمراء" بالمغرب الأقصى أنطوان مليرو:

- Antoine Méléro, La Main rouge. L’Armée secrète de la République, Paris, Editions du Rocher (Documents), 1997.

[14]شارل أندري جيليان، م.م. ص. 393 و 396.

[15] - أنطوان مليرو، اليد الحمراء م.م. ص. 28-32. وهرتموت السنهانس، م.م. ص 520. مع الملاحظ أنه بداية من 1981 هذا الجهاز أصبح يسمى (Direction Générale des Services Extérieurs) . (D.G.S.E)

[16] - مليرو، م.م. ص. 52.

[17] - ن.م.ص. 18.

[18] - ن.م.ص. 30-31.

[19] - ن.م. ص. 52.

[20] - هرتموت  السنهانس م م.، ص. 471.

[21] - راجع مقالنا: "أروبيو تونس والمقاومة المسلّحة في الخمسينات"، م.م.

[22] - أنطوان، مليرو، م.م.

[23] - أنظر في الموضوع ، شارل أندري جيليان، المغرب...، م.م. ص. 416-417. كذلك شهادة المناضل  المغربي عبد الجليل البوصيري في مؤلّفه: أحداث ورجالات حلالة، القنيطرة، البوكيلي للطباعة والنّشر، 2003. وحول قائمة المورّطين في اغتيالات الوطنيّين المغاربة التي فيها ثمانية من البوليس على 18 أنظر أنطوان مليرو، "اليد الحمراء..."  م.م. ص 128.                                                                  

[24] - أنظر افنوو بلانشي، م.م. ص 247 وما يليها.

[25] - من جرائم "لوأآس " اغتيالها في 15 مارس 1962 ستة مديرين من "المراكز الاجتماعيّة" في اجتماع في حي الأبيار بالجزائر العاصمة منهم الكاتب ميلود فرعون.